بليغ حمدي.. سحر الألحان وبصمة لا تُنسى

#بليغ #حمدي. #سحر #الألحان #وبصمة #لا #تنسى
“الفنان كالبصمة لا تتكرر، لذلك أعتبر موته رحلة، فهو حاضر معنا تجده، لا يتركنا، يسافر، لكنه موجود بفنه وإرادته” قال الملحن المصري بليغ حمدي، الذي يوافق عيد ميلاده الـ31 12 سبتمبر/أيلول، على طابع المبدع العابر: “تستمر في الوجود”.
ورغم مرور سنوات على رحيل بليغ حمدي الذي رحل عنا عام 1993، إلا أن تأثيره الموسيقي لا يزال حاضرا لدى العديد من خبراء الموسيقى الذين يعتبرونه المبتكر الثاني للموسيقى الشرقية بعد الثورة التي أحدثها الموسيقار الشعبي سيد درويش في العشرينيات.
(أنا مصري ولست خواجا ولا أميل إلى أي مؤثرات خارجية، وأنا دائما أؤيد الحفاظ على نفسي في الفن والحياة)، وهي الجملة التي قالها بليغ حمدي في حوار معه، معبراً عن الأصالة في موسيقاه وطريقة اختياره منذ البداية، وخاصة منذ طفولته حيث كان يعيش في حي شبرا الشعبي بالقاهرة، حيث ولد في 7 أكتوبر 1937.
أحب باليج الفن منذ طفولته، حيث أتقن العزف وهو في التاسعة من عمره. ورغم صغر سنه الذي منعه من الالتحاق بمعهد فؤاد الأول للموسيقى، إلا أنه واصل دراسته في مدرسة عبد الحفيظ للموسيقى الشرقية، في نفس وقت دراسته الثانوية في مدرسة شبرا.
تلقى تعليمه بالموشحة باللغة العربية والمشرق على يد أستاذه درويش الحريري. في هذه المرحلة كان طموحه أن يلتحق بالإذاعة مع فرقة “ساعة لقلبك” بقيادة فايدة كامل وصلاح عرام، وتم اعتماده في البداية كمطرب وليس ملحناً كما كان يأمل.
وعندما سئل بليغ حمدي عن كيفية دخوله عالم الإذاعة، أجاب بأن إصراره على التجربة كان كافيا، دون أي تدخل من أحد.
خلال تلك الفترة قدم بليغ حمدي أغنيتين لصديقته فايدة كمال هما “لما لا” و”نافيت أجافيك”، وكان هذان المقطعان بمثابة نقطة البداية لمسيرته في التلحين.
وتحدث باليج في مقابلة عن هذه المرحلة قائلا إنه يعمل أكثر من 16 ساعة يوميا لإنجاز أغنية. وفي كتاب “بليج حمدي.. سيرة الألحان” يذكر أن مجموع ألحانه تجاوز الألفين.
وكان بليغ حمدي وراء نجاحات المطربات الكبيرات في الوطن العربي، خاصة في تعاونه مع نجمة الشرق أم كلثوم، حيث قدم لها ما يقرب من عشر أغنيات. بدأت هذه العلاقة عندما كان بعليج في أوائل العشرينيات من عمره، بعد أن التقيا لأول مرة واستمتعت أم كلثوم بأغنية “حب آه” التي كانت أول تعاون بينهما.
وفي لقاء إذاعي، ذكر بليغ حمدي أن أم كلثوم كسرت كل التقاليد بهذه الخطوة، وأثبتت تواضعها وموهبتها الهائلة، حيث كانت بالي لا تزال صغيرة في ذلك الوقت. وأضاف أنها كانت بمثابة الأم والأخت والفنانة المبدعة التي خففت عنه مخاوفه منذ أول لقاء بينهما.
وفي إحدى المرات، عندما طلب منها اختصار مقدمة أغنية “ألف ليلة وليلة”، ردت عليه بتركها كما هي. دعته للمشاركة في حفلها على المسرح، حيث لاحظ حالة التوتر التي عاشتها خلال التحضيرات الأولى. أخبرته أن المقدمة الموسيقية ساعدتها في التغلب على الخوف الذي سيطر عليها، حتى اعتمدت على منديلها الحريري لتدفئة يديها الباردتين من الخوف، وتنسى الحشد الكبير الواقفين أمامها. كما نصحته باحترام الجمهور دائمًا.
كان تعاون بليغ حمدي مع أم كلثوم نقطة تحول في مسيرته الفنية، حيث رسخ مكانته بين كبار الملحنين في ذلك الوقت. تم اعتماده ملحناً في الإذاعة المصرية بعد أن قدم لحناً آخر بعنوان “سألت في حينا وفي الحي من جانبنا” والذي تم اعتماده رسميًا.
حلم عالمي
نجاحات بليغ حمدي مع أم كلثوم في أغاني مثل “فت المجنون” و”سيرة الحب” و”بعيد عنك” كانت لا تقل أهمية عن تعاونه مع عبد الحليم حافظ في مسيرة حليم الفنية، كما قدمها… له أغاني مثل “سواه”، “أنت تخونه”، “على حب قلبي”، “وعد”، “الناس الغالية”، “مين حبايبي”. أنت و”عدى النهار” و”فدائي” و”عاش اللي قال”، ولم تقتصر هذه الأغاني على الأغاني العاطفية فحسب، بل شملت أيضا أغاني وأغاني وطنية.
وكان التأثير بينهما واضحا منذ بداية تعاونهما عام 1957 بأغنية “تخونوها” التي لحنها بالي لليلى مراد، لكن عبد الحليم أعجب بها وأراد إبرازها في فيلمه “الوسادة الفارغة”. وتخلت ليلى مراد عن الأغنية، لتكون هذه اللحظة بداية طريقهما المشترك، وبداية تغيير مهم في حياتهما المهنية.
ونجح بالي وحليم في تغيير شكل الأغنية المصرية في ذلك الوقت، حيث انتقل حليم من الأغاني القصيرة ذات الإيقاعات الغربية إلى الأغاني ذات الألحان الشرقية الأصيلة والموضوعات الشعبية مثل “كل ما أقول جواب” و”كما يعجبني قلبي”. “.
وأكد بليغ حمدي أن الإخلاص هو العنصر الذي يميز تجربته مع عبد الحليم الذي خلق تناغما فريدا بين الكلمات والصوت واللحن. وكان هذا الفهم المشترك نتيجة لشغفهم المشترك بجلب الشعر المصري والعربي إلى العالم.
جدير بالذكر أن صداقتهما لم تبدأ في “تحنو” بل قبل سنوات، خاصة أن شقيق عبد الحليم، إسماعيل شبانة، قام بتدريس الموسيقى في بالي. وكان بليج وحليم ومحمد الموجي وكمال الطويل وغيرهم يجتمعون ويشاركون في الندوات والحفلات الفنية في ذلك الوقت.
فن مجنون
ووصف المطرب الجزائري الراحل فيردا، الذي كان شريكا في نجاحات بليغ حمدي، الفنان في إحدى اللقاءات قائلا: “بالي كان مجنونا بالفن، بوهيميا لا يلتزم بالمواعيد، لكنه كان عبقريا منذ البداية”. وأشارت إلى أن بالي كان كريما إلى حد الإسراف، فهو لم يسعى إلى جمع الأموال بقدر ما كان كريما في عطائه الإنساني والفني.
كانت العلاقة الفنية بين بعليج وفاردا جزءًا مهمًا من حياته المهنية، حيث خلقت مزيجًا من الحب والفن. وعبر باليج عن مشاعر الحب الكبيرة التي جمعت بينهما وأدت إلى زواج استمر 7 سنوات منذ عام 1973. وجسد هذا الحب في أغاني مثل “بلاك آيز”، “خليك هنا، خليكي”، “دندنة”، “أنا مشتاقة”. “أنت”، “أموالي والمال لي”، استمع لي” و”احتضن الأيام”.
كما أعرب عن التوتر الذي أصاب علاقتهما بعد ذلك في أغاني مثل “أريد معجزة” و”قصتي مع الزمن” و”إذا سألوك عني”. وكانت أغنية “مع وعدك” إعلانا لانفصالهما بعد سنوات من الحب والزواج.
ورغم انفصالهما، ظل تأثير فاردا حاضرا في أغانيه، حيث قدم لاحقا للمطربة ميادة الحناوي أغاني مثل “الحب الذي كان” و”لقد مرت سنة” و”أحببنا وأحببنا”. ورأى الجمهور أن بعض هذه الأغاني حملت رسائل موجهة إلى فاردا حب حياتها، رغم أن زواجهما انتهى بعد 7 سنوات فقط.
وأكدت فاردا أن بالي تفهم بشكل أفضل إمكانات صوتها ومواقفها القوية، وتجيد استخدامها، مما جعلها تشعر بالخوف من التعاون مع الآخرين في ذلك الوقت.
ولم تنكر فاردا أن بعض أغاني باليج كانت رسائل لها أثناء زواجهما وبعده، ولعل هذا كان سببا في شعور الجمهور بطيف فاردا في الأغاني التي قدمها لميادة الحناوي بعد الانفصال عن فاردا، مثل. “الحب الذي كان” وغيرها من الأغاني التي كانت بمثابة رسائل حب عاطفية له ولرفيقته فاردا التي حافظ على صداقتها حتى وفاته.
وإذا كانت المحطات البارزة في مسيرته الفنية جمعته بأم كلثوم وعبد الحليم حافظ، فقد ارتبط اسمه أيضًا بأهم المطربين في الوطن العربي منذ الخمسينيات مثل شادية ونجاة الصغيرة. وقدم صوت عفاف راضي للجمهور. كما تعاون مع فنانين آخرين، مثل محمد رشدي، واستمر تأثيره مع الأجيال الجديدة، مثل سميرة سعيد، ومحمد الحلو، وعلي الحجار.
نهاية حزينة لعبقرية الألحان
وعندما سئل بليغ حمدي عن أفضل أغانيه، قال إنه لا يفكر فيما يقدمه ولا يشير إلى الأغنية بعد طرحها للجمهور حرصا على الابتعاد عن غرور النجاح، ويفكر دائما في ربما. وكان سر عبقريته هو الذي جعل أغانيه حية مع ظهور أجيال جديدة في عالم الموسيقى والألحان.
ورغم النجاح الكبير والبريق الذي رافق حياة بليغ حمدي، إلا أن هذا التألق لم يستمر حتى أيامه الأخيرة. وفي كتاب “بليج: أسرار الأيام الأخيرة” للصحفي أيمن الحكيم، يروي كيف تم تسليم مكتب بليغ حمدي لصاحب المنزل بعد وفاته، لأنه لم يكن له وريث. وشهد الكاتب متعلقات باليج، بما في ذلك عوده والنوتة الموسيقية لأشهر أغانيه، وهي تُلقى على الأرض قبل نقلها إلى منزل عائلته القديم.
ومع مرور السنين، لم يختفي بليغ حمدي من الساحة الغنائية. وتبقى مدرسته مرجعا مهما للمبدعين الموسيقيين في العالم العربي، ورغم رحيله إلا أن بصمته وتأثيره لا تزال حاضرة في عالم الموسيقى.
#بليغ #حمدي. #سحر #الألحان #وبصمة #لا #تنسى