الرئيسية

كيف وقع مسلسل “الإخوة” في ثنائية الإقحام والتقمُّص؟ | فن

#كيف #وقع #مسلسل #الإخوة #في #ثنائية #الإقحام #والتقمص #فن

“جهزوا فريقكم لتنفيذ الخطة وإلقاء القبض على الأشخاص الذين يشكلون خطرا على الأمن”، أسلوب حواري يتكرر كثيرا في الدراما الرمضانية الموريتانية “إخوة”، المسلسل الاجتماعي الذي يبث على القناة الرسمية.

ليس سراً أن هذا الحوار يتضمن إدراج اللغة العربية الفصحى في سيناريو اللهجة حيث من المتوقع أن تكون اللهجة هي اللغة المنطوقة!

علاوة على ذلك، فإنني عندما أكتب هذه المقالة النقدية لا أميل إلى التقليل من الحديث باللغة العربية الفصحى، ولا أدعو إلى رفض اعتماد اللغة العربية لغة للحوار. لا سمح الله، لكن البلاغة فن مارس، ومن الأمور المربكة أن لغة الحوار في المسلسل عبارة عن خليط يتم فيه إدخال الكلمات البليغة في سياق جدلي له مفرداته الخاصة المستخدمة في الكلام العامي.

ولا أتحدث هنا عن مفردات المصطلحات المهنية، مثل: “رجال الشرطة”، و”السجناء”، و”المحققون”، و”المتهمون” وما شابه ذلك من الكلمات التي يمكن أن نطلق عليها “المصطلحات المكتوبة”. والتي تستخدم عادة في نسختها البليغة، ولكن هناك إفراط في استخدام مفرداتها وجملها البليغة على عكس المصطلح الشائع في اللغات والموجود في الكلام اليومي.

وهذا “التوسيع” يؤثر على طريقة تقديم اللعبة، ويقلل من قوة القناعة الفنية فيها، ويخلق جداراً من الطائفية الصارخة بين المشاهد واللاعب. على سبيل المثال: ما قاله تاجر مخدرات مستغل أثناء مخاطبته زعيم عصابة “الزعيم الكبير” (على الأرجح):

هل يمكن أن تعطيني معلومات عن هذه الوظيفة التي لا أستطيع أن أنصفها؟!

في عبارة “نشاز الأداء”؛ أن العبارة التي تطلب “تقديم ملخص” لا تتناسب مع السياق الذي حدث فيه الموقف؛ وهو أقرب إلى أسلوب المثقف الأكاديمي منه إلى تعبير صاحبة الدور الأصلية (الممثلة) التي يبدو أنها لا تهتم بالثقافة أو العمل في مجال الأدب واللغة التي وردت لها كلمة “قصيرة المطابقة” “، وكذلك بنية الجملة وأداء اللعبة المصاحبة لها، تفتقر إلى التجسيد.

وتزداد مساحة الاستيفاء في اللقطات التي يستخدم فيها الممثلون جملاً بليغة في حوارهم، قريبة من المعادل الاصطلاحي، ومنها لقطة يقول فيها أحد الشخصيات الرئيسية لمتابعيه، ينصحه ويأمره:

“إلين (تكرر) شيئا علمني”، ولو قال “إلين تغادر” لكان الأمر أكثر إقناعا، فضلا عن العبارات المكررة التي تكررت كثيرا – في حلقات المسلسل، مثل : “ارجع وكن في حالة تأهب تام.”

والتعليل هنا ليس مجرد إدخال كلمة “اليقظة”؛ وبدلا من ذلك، فإن الجملة في بنيتها تكاد تكون بليغة تماما، فلا حرج في استخدام كلمتي “اليقظة” و”الاستعداد” عند الضرورة؛ ولكن بشرط أن تكون ضمن جمل باللهجة الحسانية، على أن تكون عبارة “أضعها لك” كافية في الغرض، دون لاحقة.

لست هنا لأعلق على عيوبه، ولا أقدم نقداً فارغاً، ولا أقصد الأحكام المسبقة، ولا أغفل من طاولاتي الجوانب الإبداعية وفضائل الإقناع المنقولة في مقاطع السلسلة، والتي بالكاد هناك. حلقة خالية منهما تكفي في عمل سينمائي وإنتاج درامي لعدّ نواقصه، لكن الإبداع العفوي هو جناحي الإقناع الفني، والجمع بينهما نقطة قوة وسر تميز، وفي نظري العيون هي العمود الفقري للدراما الاجتماعية، والشواهد على ذلك كثيرة، تقولها أمهات الأعمال، لهجة عربية تعتمد المصطلح لغة حوار، ويشعر بها المشاهد أن الممثل يعيش الدور، وليس فقط على مستوى «التفاعل» و«التأثير» الذي هو قمة سنام التناسخ؛ ولكن أيضًا على مستوى الأداء اللفظي العفوي.

ولا يمكن تحقيق ذلك إلا عندما يتحدث الممثل ويفكر باللهجة أيضا، وفي بعض تصوير المسلسلات أعلاه، قد يشعر “المتلقي” أن الممثل يتحدث باللهجة الحسانية ويفكر باللغة العربية، وبالتالي يقع في فخ في اللغة العربية الفصحى رغم تحقيق الاكتفاء الذاتي والاستعانة ببديل اللهجة.

وفي الحسانية -كما في الفصحى- مخالفات في التعبير وغموض في الأسلوب. إن وضع الكلمة الكلاسيكية بدلاً من المصطلح يمكن أن يكون ضارًا ويؤدي إلى تنافر تعبيري يذل صاحبه، والعكس صحيح. فإذا كان المكان محل حديث باللغة العربية (الفصحى) وكانت اللقطة -مثلاً- عبارة عن محادثة بين جندي فرنسي وأحد قادة المقاومة الموريتانية، أثناء الاحتلال الفرنسي؛ أراد البطل المعارض أن يغضب عدوه المتغطرس ويخبره أن مجموعة المقاومين التي يقودها ليست “الحلقة الأضعف”. وقال ممثل الدور باللغة العربية: “نحن لسنا الجدار القصير”. وكان من المفترض أن تكون العبارة مداخلة واضحة وتنافراً واضحاً. لأن العبارة الحسنية “احذر” قد أفسدها هذا التكييف المبالغ فيه. ولم يبق على أصله الحسني الخاص، ولم يكيف مع نظيره المستخدم اليوم في اللغة العربية.

ويقاس ذلك بالجمل البليغة والمفردات المدرجة في نص سلسلة اجتماعية تتناول مذكرات الواقع المعيش.

وبالعودة إلى ذكر التناسخ، فإن ظهور “الأخ الأصغر” المنحرف اتهم بقناعة فنية. فهو “يعيش الدور” ويؤديه بمفردات “حقيبته اللغوية” بتدفق فني وعفوي للغاية، دون أي انقطاع على الإطلاق.

وكذلك “الأخت الكبرى” “نانا” ؛ لقد قامت بعملها وأخذت ما يستحق وأعطته ما يستحق. ومن محاسن “أدائها الصريح” أنها كانت تنقل الأمثال والأمثال الشعبية وتقدمها في سياقها ولفظها من دون “الشرح”. ومن الملاحظات البارزة التي لا يمكن أن يفوتها المشاهد، “انقلاب الأدوار”، والذي كانت آثاره الجانبية تكييف أدوار بعض أبطال المسلسل مع الأدوار السابقة، وتشابه بعض أدوار المسلسل . حوارات مع حوارات أخرى في مسلسلات متوازية – أو سابقة – بدرجة تشبه ما يسميه اللغويون “التناص”.

وكاد هذا التشابه أن يؤثر على أداء ممثل “هونا” لقرب أسلوبه في “الإخوة” من أسلوبه في “شيف وكوس”، إلا أنه تغلب على التحدي وربح الرهان بقوة انتحاله لشخصيته، و الفرق في الدور الذي لم يكن فيه كوميدياً هذه المرة. وبدلاً من ذلك، كان “شريانيًا” خالصًا، وأعطته العدسة البيضاء فوق عينه “فارق الدورة الشهرية”. لقد كانت “علامة مسجلة” إلى جانب اختلافات أخرى في الأداء، تمكن بفضلها من الخروج من مربع الدور “الكوميدي” الذي سيطر على شخصيته، وارتبط بظهوره التلفزيوني من خلال مسلسل Lucky الذي فيه أسس -مع شريكه في الدور- “عمر” ثنائياً ممتعاً أضحك المشاهدين، أدخل البهجة في نفوسهم في مواسم برنامجه التلفزيوني، واستلهم من تحديات الواقع وتعقيداته عن طريق الضحك والمراقبة.

متى ينطلق المحتوى الدرامي الموريتاني، فيرتفع فوق النسخة المحدودة من الكوميديا ​​المحلية، ويحقق شروط المنافسة العربية والعالمية مع الحفاظ على ازدواجية الرسالة الهادفة والإقناع الفني؟

نأمل أن يكون هناك إجابة إيجابية قريبا.

#كيف #وقع #مسلسل #الإخوة #في #ثنائية #الإقحام #والتقمص #فن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى